الدهون الثلاثية: ما تحتاج معرفته للوقاية والعلاج والحفاظ على صحتك

تُعتبر الدهون الثلاثية أحد أنواع الدهون الأساسية في الجسم، والتي تلعب دوراً حيوياً في توفير الطاقة، لكن ارتفاع مستوياتها عن الحد الطبيعي يحمل مخاطر صحية جسيمة. غالباً ما تكون أسباب ارتفاع الدهون الثلاثية مرتبطة بنمط الحياة غير الصحي، بينما قد لا تظهر اعراض ارتفاع الدهون الثلاثية بشكل واضح حتى تتفاقم المضاعفات. فهم هذه الجوانب هو الخطوة الأولى نحو حماية صحتك القلبية والوعائية.
ما هي الدهون الثلاثية ولماذا تهُمنا؟
الدهون الثلاثية هي مركبات كيميائية يتناولها الجسم من المصادر الغذائية، خاصة الأطعمة الغنية بالدهون والزيوت، كما يقوم الكبد بتصنيعها من السعرات الحرارية الزائدة. يتم تخزينها في الخلايا الدهنية ليتم استخدامها لاحقاً كمصدر للطاقة. المستويات الطبيعية لها في الدم ضرورية للصحة، لكن ارتفاعها يزيد بشكل ملحوظ من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والتهاب البنكرياس.
المعدلات الطبيعية: أين تقع؟
يتم قياس مستوى الدهون الثلاثية في الدم بوحدة ملليغرام لكل ديسيلتر (ملغم/ديسيلتر)، وتصنف النتائج كالتالي:
- المستوى الطبيعي: أقل من 150 ملغم/ديسيلتر للبالغين، وأقل من 90 للمراهقين والأطفال.
- الحد الأعلى ( borderline ): بين 150 – 190 ملغم/ديسيلتر.
- المستوى المرتفع: فوق 190 ملغم/ديسيلتر.
- المستوى المرتفع جداً: فوق 500 ملغم/ديسيلتر، وهو مستوى خطير.
الأعراض الصامتة والمضاعفات الخطيرة
تكمن الخطورة الحقيقية في أن ارتفاع الدهون الثلاثية غالباً ما يكون حالة “صامتة” دون أعراض تحذيرية واضحة. لا يشعر الشخص بأي اختلاف حتى تبدأ المضاعفات في الظهور. ومع ذلك، فإن الإهمال الطويل الأمد يؤدي إلى عواقب وخيمة:
- مستوى مرتفع (فوق 500 ملغم/ديسيلتر): يزيد خطر التهاب البنكرياس الحاد، الذي يسبب ألماً شديداً في البطن. وقد يؤدي أيضاً إلى ظهور رواسب دهنية على الجلد (حالات نادرة مثل الشحوم الجلدية) وتغيرات في شبكية العين.
- مستوى مرتفع جداً (فوق 1500 ملغم/ديسيلتر): قد يؤدي إلى متلازمة احتباس الكيلومكرونات، مسبباً ألماً في البطن، تضخماً في الكبد والطحال، وحتى فقداناً للذاكرة على المدى القصير.
الأسباب: لماذا ترتفع المستويات؟
تتنوع أسباب الارتفاع بين عوامل يمكن التحكم بها وأخرى خارجة عن الإرادة:
- الحالات الصحية: أمراض السكري، الكلى، الكبد، قصور الغدة الدرقية، والسمنة هي محركات رئيسية لارتفاع الدهون الثلاثية.
- نمط الحياة غير الصحي: هذا هو العامل الأكثر شيوعاً ويتضمن:
- نظام غذائي غني بالسكريات، الكربوهيدرات المكررة، والدهون غير الصحية.
- قلة النشاط البدني وعدم ممارسة الرياضة.
- الإفراط في تناول الكحول.
- التدخين.
- العوامل الوراثية والعرقية: بعض الاضطرابات الجينية في أيض الدهون تجعل الأفراد أكثر عرضة للارتفاع. كما أن الأشخاص من أصول جنوب آسيوية معرضون لخطر أعلى.
- بعض الأدوية: مثل الستيرويدات، حاصرات بيتا، مدرات البول، وأدوية علاج فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
التشخيص: كيف تعرف مستواك؟
الطريقة الوحيدة الموثوقة لتشخيص ارتفاع الدهون الثلاثية هي من خلال فحص دم بسيط، غالباً ما يكون جزءاً من لوحة فحوصات الدهون (Lipid Profile). للحصول على نتائج دقيقة، يُطلب منك الصيام لمدة 9-12 ساعة قبل سحب العينة. قد يوصي الطبيب بفحوصات إضافية مثل فحص (Apolipoprotein B) أو الفحوصات الجينية في حالات الارتفاع الشديد غير المبرر أو وجود تاريخ عائلي قوي.
خطة العلاج: الوقاية والتحكم هي الحل
الخبر السار هو أن ارتفاع الدهون الثلاثية قابل للعلاج والتحكم بشكل كبير من خلال تعديل نمط الحياة، والذي يشكل حجر الأساس في الخطة العلاجية:
- اعتماد نظام غذائي صحي: ركّز على تناول:
- الألياف: الفواكه، الخضروات، والحبوب الكاملة.
- البروتينات الخالية من الدهون: الأسماك (خاصة السمك الدهني مثل السلمون)، الدواجن، والبقوليات.
- الدهون الصحية: الموجودة في الأفوكادو، المكسرات، وزيت الزيتون.
- قلل من: السكريات، المشروبات الغازية، العصائر المحلاة، الكربوهيدرات المكررة (الخبز الأبيض، المعكرونة)، والدهون المشبعة.
- ممارسة النشاط البدني المنتظم: احرص على 150 دقيقة على الأقل من التمارين الهوائية المعتدلة (مثل المشي السريع، السباحة) أسبوعياً.
- إدارة الوزن: فقدان حتى 5-10% من وزن الجسم الحالي يمكن أن يخفض مستويات الدهون الثلاثية بشكل dramatic.
- الإقلاع عن العادات الضارة: التوقف التام عن التدخين وتجنب تناول الكحوليات، حيث أن الكحول من المسببات القوية للارتفاع.
- السيطرة على التوتر والحصول على نوم كافٍ: الإجهاد المزمن وقلة النوم يمكن أن يساهما في اختلال مستويات الدهون.
في بعض الحالات، إذا لم تكن تغييرات نمط الحياة كافية، قد يصف الطبيب أدوية مساعدة مثل الستاتينات أو الفايبرات.
خلاصة الأمر
الوعي هو سلاحك الأقوى في مواجهة ارتفاع الدهون الثلاثية. على الرغم من طبيعته “الصامتة”، إلا أن عواقبه يمكن أن تكون شديدة. الفحص الدوري هو مفتاح الكشف المبكر، بينما يبقى تبني أسلوب حياة صحي – من غذاء متوازن، نشاط بدني منتظم، والحفاظ على وزن معقول – هو الاستراتيجية الأكثر فاعلية للوقاية والعلاج على حد سواء. استشر طبيبك لإجراء الفحوصات اللازمة ووضع خطة علاجية مناسبة لك، لأن الاستثمار في صحتك اليوم يضمن حياة أكثر صحة وغداً خالياً من المضاعفات.